إسرائيل لن تكون ديمقراطية من دون مساواة كاملة لجميع مواطنيها، بمن فيهم الفلسطينيون
معظم المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يقبلون بأن تكون إسرائيل الدولة القومية الديمقراطية للشعب اليهودي، لكنهم يطالبون بأن تكون أيضًا دولة جميع مواطنيها.
بقلم: غيرشون باسكين
18 كانون الأول / ديسمبر 2025
عندما قدمتُ إلى إسرائيل في إطار الهجرة (علياه) عام 1978، انضممتُ إلى برنامج يُدعى “براعم السلام”(Interns for Peace). كان مؤسس البرنامج الحاخام الراحل بروس كوهين، الذي كان في إسرائيل عام 1976 وشهد المظاهرات الجماهيرية في أول “يوم أرض” لما كان يُسمّى آنذاك “عرب إسرائيل” احتجاجًا على مصادرة الأراضي. وفي نهاية ذلك اليوم، 30 آذار/مارس 1976، قُتل ستة شبان من المواطنين العرب في إسرائيل برصاص الشرطة الإسرائيلية.
كان الحاخام بروس منظّمًا مجتمعيًا في حي هارلم بمدينة نيويورك، واعتقد أن المجتمعات العربية في إسرائيل بحاجة إلى تعلّم أساليب التنظيم المجتمعي. كما أدرك أن بوسع هذه المجتمعات تحسين موقعها وفهمها في نظر الأغلبية اليهودية في إسرائيل من خلال الانخراط في مشاريع تعاون مع المجتمعات اليهودية المجاورة لها.
انضممتُ إلى “براعم السلام السلام” في أيلول/سبتمبر 1978، وأمضيت ستة أشهر في كيبوتس بركاي ضمن برنامج تدريبي، ثم انتقلت للعيش في القرية العربية كفر قرع، حيث أقمتُ لمدة عامين بين 1979 و1981.
وبوصفي مواطنًا إسرائيليًا جديدًا وُلد ونشأ في نيويورك، كنت أعتز بكلمات إعلان استقلال إسرائيل التي تعهّدت بأن تحافظ إسرائيل الديمقراطية على المساواة الاجتماعية والسياسية الكاملة بين جميع مواطنيها. غير أن العيش في قرية عربية لمدة عامين فتح عينيّ مباشرة على التمييز القائم – والذي ما زال قائمًا – بين المواطنين اليهود والمواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل.
كان مناحيم بيغن رئيسًا للوزراء في ذلك الوقت. ومن خلال قراءة كتاباته والاستماع إلى خطاباته، فهمتُ أنه كان يؤمن بقيم الديمقراطية وبمبدئها الأساسي، وهو المساواة بين جميع مواطني إسرائيل. كتبتُ له رسالة شرحتُ فيها من أكون، وأنني مهاجر جديد أعيش في قرية عربية في إسرائيل وأعمل على بناء التفاهم والتعايش. وأوضحتُ له أنني جزء من مبادرة تطوعية، لكنني أعتقد أن تعزيز الديمقراطية في إسرائيل هو مسؤولية الدولة نفسها، لا مسؤولية متطوعين قادمين من الولايات المتحدة.
تلقيتُ ردًا ودعوة للحضور إلى القدس للقاء مستشاره لشؤون العرب. وبعد أقل من عام، في 1981، أصبحتُ أول موظف مدني في إسرائيل تكون مهمته الرسمية تحسين العلاقات بين المواطنين اليهود والعرب في البلاد. عملتُ في وزارة التربية والتعليم في منصب رفيع تحت قيادة الوزير زبولون همر من حزب المفدال (الحزب الديني القومي).
وبعد عام واحد، شاركتُ في تأسيس قسم “التربية على الديمقراطية والتعايش” في الوزارة (الذي لم يعد قائمًا اليوم)، ثم أصبحت مدير معهد التربية للتعايش اليهودي–العربي، المرتبط بمكتب رئيس الوزراء ووزارة التربية والتعليم.
ومن خلال عملي المكثف في تلك السنوات مع العديد من قيادات المجتمع العربي، أصبح واضحًا لي أنه طالما بقيت إسرائيل في صراع مع الشعب الفلسطيني، وطالما أن المواطنين العرب في إسرائيل – وهم فلسطينيون من حيث القومية – يعرّفون أنفسهم كجزء من النضال من أجل الحرية الفلسطينية، فإن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل سيبقون موضع شبهة دائمة، باعتبارهم موالين “للعدو” لا لدولتهم.
مواطنو إسرائيل العرب هم فلسطينيون
وعلى الرغم من الصراع، فإن الحقائق تثبت أن غالبية المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل ملتزمون بالقانون ولم يقوموا يومًا بأي عمل يهدد أمن الدولة. لكن الحقائق لا تغيّر الواقع.
وبخاصة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، فإن أي محاولة لتصوير إسرائيل كديمقراطية ليبرالية فيما يتعلق بالحقوق الإنسانية والمدنية الأساسية لمواطنيها الفلسطينيين هي محاولة زائفة.
ومع تصاعد الخوف لدى المواطنين اليهود في إسرائيل من الفلسطينيين عمومًا، ومنح الشرعية للأحزاب والسياسيين العنصريين المتطرفين من قبل رئيس الحكومة، وسيطرة وزراء من اليمين المتطرف على الشرطة وأجهزة الأمن، تقلّص الفضاء الديمقراطي في إسرائيل بشكل كبير. وهذا التقليص يطال أساسًا المواطنين الفلسطينيين، لكنه يطال أيضًا اليهود الإسرائيليين الذين يدعمونهم، ويدعمون إنهاء سياسات الاحتلال والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وكذلك أولئك الذين عارضوا استمرار الحرب على غزة.
يدّعي البعض أن إسرائيل لا تملك قوانين تميّز ضد مواطنيها الفلسطينيين. لكن وفقًا لمؤسسة “عدالة” (المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل)، يوجد أكثر من 65 قانونًا إسرائيليًا نافذًا تميّز بشكل مباشر أو غير مباشر ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل – وفي كثير من الحالات تؤثر أيضًا على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة – على أساس الانتماء القومي. وقد تم توثيق هذه القوانين في قاعدة بيانات القوانين التمييزية التابعة لمؤسسة عدالة.
هذه هي حقيقة إسرائيل في عام 2025. والطريق الوحيد لعكس هذا المسار المعادي للديمقراطية هو تغيير الحكومة. ولتغيير النظام اليميني الديني الذي يسيطر علينا، نحتاج إلى تطوير شراكات وتعاون سياسي عميق بين اليهود والعرب.
يجب على المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل زيادة مشاركتهم في الانتخابات القادمة. ففي الانتخابات الأخيرة، صوّت 52% فقط من الفلسطينيين المؤهلين للتصويت، مقارنة بـ70% من الناخبين اليهود. وإذا ارتفعت نسبة مشاركة الفلسطينيين إلى 70%، فيمكنهم الفوز بنحو 17 مقعدًا في الكنيست – وهو تغيير جوهري في ميزان القوى. كما أن هناك مواطنين يهودًا يصوّتون للأحزاب العربية، ما قد يضيف مقعدًا أو مقعدين إضافيين. إن الشراكة اليهودية–العربية ضرورية لتغيير النظام الحاكم.
هل هذا مخيف؟ بالنسبة لكثير من الناخبين اليهود، نعم. لكنه لا ينبغي أن يكون كذلك. ماذا يريد غالبية المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل؟ إنهم يريدون المساواة. يريدون أن تصنع إسرائيل السلام مع الشعب الفلسطيني على أساس حل الدولتين لشعبين – أي أن تستمر إسرائيل في الوجود إلى جانب دولة فلسطينية مستقلة. في الواقع، فإن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل هم أكبر الداعمين لحل الدولتين.
غالبية المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يقبلون بأن تكون إسرائيل الدولة القومية الديمقراطية للشعب اليهودي، لكنهم يطالبون بأن تكون أيضًا دولة جميع مواطنيها. ولا يوجد أي تناقض في ذلك، إذا ضمنت إسرائيل مساواة كاملة لجميع مواطنيها من دون تمييز.
توجد داخل حدود دولة إسرائيل ذات السيادة أغلبية يهودية واضحة. ويمكن للأقلية الفلسطينية أن تتمتع بحقوق متساوية كاملة، بما في ذلك الحق في تعليم طلابها التاريخ الفلسطيني – وهو تاريخ ينبغي أيضًا أن يتعلّمه المواطنون اليهود في إسرائيل. وكما يتعلّم جميع الفلسطينيين في إسرائيل اللغة العبرية منذ الصف الأول، ينبغي لطلاب المدارس اليهودية أن يتعلّموا اللغة العربية.
يجب إعادة الاعتراف بالعربية كلغة رسمية في دولة إسرائيل، ويجب تعديل “قانون القومية” بحيث يُعاد تعريف إسرائيل كدولة قومية ديمقراطية للشعب اليهودي ولجميع مواطنيها. فكيف يمكن لأكثر من 20% من مواطني الدولة، الذين وُلدوا فيها وكانوا موجودين منذ تأسيسها، أن يعيشوا في دولة لا يشعرون بأنها دولتهم أيضًا؟
إن حلّ الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني يصب في مصلحة جميع مواطني إسرائيل، وسيزيل الشكوك الدائمة تجاه المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. ولن تكون إسرائيل ديمقراطية حقًا ما لم تضمن المساواة الكاملة لجميع مواطنيها، وما لم يشعر جميع المواطنين بأن إسرائيل هي دولتهم.
الكاتب هو المدير الإقليمي لمنظمة المجتمعات الدولية في الشرق الأوسط، وأحد الرؤساء المشاركين لتحالف الدولتين.
